الجمعة، 27 أغسطس 2010

فان جوخ الذى لا يعرفه احد

منذ سرقت لوحة زهرة الخشخاش وقد فتحت الباب لتساؤلات كثيرة جداً لمست بها كم نحن شعب لا يعى شئ بالفن التشكيلى فكيف وصلنا لهذه الدرجة ونحن الذين يقف على اعتاب معابدنا الملايين ليروا عبقرية المصرى القديم تحولت الاسئلة لسخرية لاذعة عن طبيعة هذا الفنان الذى اختار نبات الخشخاش تحديداً ليقوم برسمه فماذا اذا عرفوا ان من اشهر لوحاته كان لزوج من الاحذية البالية ولماذا هذه اللوحة على انها ليست لفتاة جميلة او مشهد طبيعى خلاب تساوى كل هذه الدولارت فهل كنا حقاً نستحق هذه اللوحة ان تعرض فى احد متاحفنا ومعظمنا يجهل من هو فان جوخ وماذا يعنى فن تشكيلى ؟؟
امام لوحاته يعجز اللسان عن الصمت عن الكلام ولا يملك وقتها سوى الذهول لغة
هذا الرجل الذى اختارت له الحياة قدر مشابه له فى من مرتفعات شاهقة للاحلام والامال ومنحدرات لليأس والحزن كان من اكثر المبدعين جنوناً اليس هو الذى اختار زوجاً من الاحذية البالية ليتوج به احد لوحاته فماذا تراه وجد به من الهام ليضعه فى احد لوحاته كتب فى مذكراته يقول " احلم بجنيه واحد كل شهر وامرأة تحبنى ونصف دستة اطفال واصدقاء ومائدة دافئية تطل على حديقة "لم يحقق له القدر حلمه فعاش ومات وهو وحيد الا من ريشته ولوحاته بدأ حياته بائعا للوحات فى محل جيوبيل بمدينة لاهاى ثم نقل الى فرع المحل بلندن وهناك كان ناجحاً للمرة الاخيرة فى حياته متأنق مهندم المظهر ولكنه عشق ابنه صاحب البيت الذى يسكنه فرفضت هى هذا العشق وسخرت منه فاصابته لوثة عقلية نقل بسببها ليعمل بفرع المحل بباريس وهناك عادوته الهلاوس العقلية مجدداً فكان يتشاجر مع زبائن المحل فطرد منه وبدء فى التخبط فى عدة اعمال لم تكن ابداً له فمن محصل للمصاريف المدرسية لمدرس للغات مقابل حصوله على الاكل والمأوى لبائعاً للكتب واخيراً قرر الرحيل لبلدة صغيرة بجنوب بلجيكا يسكنها عمال مناجم بؤساء الحال فأخذ يتأمل حياة هؤلاء البوساء ويرسمها بكل ما فيها من اسى ومن فقر فكان يرسم ويعرض بعد ذلك رسوماته على كبار الفنانين حتى ذات يوم صدمه احدهم قائلاً ياله من رسم ردئ يا فان جوخ.. رحل مجدداً لباريس وهو يعى تماماً انه لا يملك سوى فنه فخرج للطبيعة واخذ يرسم فى المطر والضباب والعواصف فخرجت لوحاته حيوية ممطرة ممتليئة بالحياة واحياناً اخرى مظلمة حزينة وكئيبة تعرف هناك على الانطباعين امثال مانيه وتكفل بمصروفاته وبيع لوحاته اخوه ثيو الذى يعمل تاجر لوحات ومن اشهر القصص التى لا تقل غرابة عن حياة ذلك الرجل قطع اذنيه الذى درات حولها الكثير من الروايات لم نعرف لوقتنا هذا ايهما الصادقة من الكاذبة فهناك رواية شهيرة انه اثناء زيارة صديقه جوجان له فكان يعملان معاً بحماس ومرح حتى حدثت مشادة بينهم على اثرها اخرج فان جوخ سكين ليطعن به صديقه وسرعان ما تخلى عن غضبه واستدار باكياً ليقطع احدى اذنيه الرواية الثانية انه قطع اذنيه ليهديها لاحدى عشيقاته كانت قد اظهرت اعجابها بأذنيه صغيرة الحجم فقطعها لها ووضعها بصندوق ليهديها وفى كلتا الحالتين فان هذه الواقعة توضح طبيعة هذا الفنان فى تعذيب النفس كانت اخر فصول حياة هذا الرجل القصيرة جدا 37 قاضاها ما بين الترحال والبحث عن ذاته من خلال الرسم فكان يضع فى لوحاته الاماكن والوجوه وقصص الحب الفاشلة وكأنه بذلك يبث فى لوحاته الحياة التى حرم منها مات وعاش فان جوخ فقيراً فلم يبع فى حياته سوى لوحة واحدة رسم الالاف من اللوحات كانت اشهرها زهرة الخشخاش واكلو البطاطس وزوج من الاحذية وتتميز اعماله بقوة ضربة الفرشاة والواقعية واخيراً اطلق الرصاص على قلبه فى احد حقول القمح الذى خرجها ذات يوم ليرسم ولكنه اصابته حالة هستيرية جعلته ينهى حياته التى لم ترسمها سوى يد القدر يوماً
بورتريه الطبيب غاشيه
تعرف فان جوخ على على طبيبه الدكتور غاشيه فى عام 1888والذى كان يعالجه من حالات الصرع والهلاوس التى يتعرض لها الفنان وفى هذا التوقيت بالذات اصبحت لوحات فنسنت فان جوخ تأخذ شكل اكثر تشويشاً وان دل يدل على مدى الاضطراب النفسى الذى يعانى منه الرجل رسم الفنان لطبيبه لوحتين كانت هذه اشهرهما واكثرهما تجسيداً لبراعة فنية لا مثيل لها فى احد رسائل فان جوخ لاخيه يحكى عن طبيبه قائلاً انه مريض مثلى تماماً وربما اكثر وهذه اللوحة هى اغلى لوحاته وقد بيعت لثرى يابانى عام 1990 بخمسة وثمانين مليون دولار,  فى اللوحة يجلس طبيبه بسنواته الخمسين وبثقل الزمن ومعاناة مرضاه تجلى الفنان باظهارها فى لقطة وجدانية نظرة العين يملؤها الحزن والتساؤل معاً والجفنان الثقليان كأنهما علامتان كبيرتان من علامات الاستفهام تدليان  لاسفل وهذه القبعة كان يرتديه الطبيب عندما يخلو بنفسه ويذهب لحديقته ليشذب ازهاره كما ان جلسة الطبيب بهذا الشكل واتكأءه باحد يديه على وجهه توضح طبيعة الحزن البشرى الذى يعيش فيه الطبيب والزهور على الطاولة فهى نباتات طبيبة يستعملها الطبيب فى لعلاج مرضاه كما ان الروايتين الفرنسيتين الموضوعتان على الطاولة بلونهم البرتقالى المصفر تكشف عن الكأبة الانسانية عندما تبلغ ذروتها وقد كتبهما الاخوان كونكورد عن المعاناة الذهنية بالحياة الباريسية الحديثة وهناك حادثة طريفة عن هذه اللوحة عندما انتهى فان كوخ من رسمها واهداها للفنان لم تحوز اعجابه فالقى بها فى حظيرة الدجاج وبعد انتحار الفنان والشهرة التى لاقتها لوحاتها اخرجها مرة اخرى بعدما كانت حالتها يرثى لها وباعها بالالاف الجنيهات
لوحة اكلو البطاطس وقد رسمها الفنان وهو فى قمة اليأس عايش فان جوخ واقع الفلاحون وعمال الحقول ولمس واقع البؤس وتقشف حالتهم فخرجت لنا هذه اللوحة بمجموعة من الفلاحين ملتفين حول مائدة طعام الطبق الرئيسى بها هو البطاطس بملابسهم الرثة وملامح الحزن والوجوم على وجوههم باصابعم الطويلة الرفيعة ومن الملابس الثقيلة والقبعات الصوفية اعلى الرأس أن الجو شديد البرودة بالخارج على منضدة صغيرة ابريق للشاى بينما تقوم احد السيدات تمتلئ ملامحا بالحزن الدفين بوضع الشاى فى الفنجاين ويمد يده احد الرجال لها بأحد البطاطس الاضاءة جاءت تماما مظلمة الا من مصباح من الكيروسين يتدلى من اعلى المائدة فيضئ المربع الذى اسفله بينما جوانب اللوحة فى اظلام تام تماماً كما هو مزاج هؤلاء الناسترى ما الذى يجذب اى فنان لرسم زوج من الاحذية باشكال مختلفة واوضاع مختلفة سوى طبيعة الفنان المهوسة وبالرغم من كل هذا فيرى الكثيرون ان الحذاء متفرد فى خصوصيه ويعبر به عن بؤس الانسان